بكل جرأة فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجميع بتصريحه الذي أدلى به داعياً إلى إخلاء العاصمة الإيرانية طهران فوراً منذ يومين، ما أثار عاصفة من التفاعلات السياسية والأمنية داخلياً وخارجياً، وسط تساؤلات حادة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتجه نحو الانخراط العسكري في المواجهة بين الكيان الإسرائيلي وإيران، أو أن الأمر لا يعدو كونه تصعيداً كلامياً في لحظة حرجة، أو تدخلاً مباشراً وغير مباشر للضغط على إيران وإجبارها على القبول بشروط التفاوض مع الجانب الأميركي بما يخص المفاوضات النووية.
فبعد دقائق على منشور ترامب، خرجت القناة 12 الإسرائيلية، بخبرها معتبرة أن واشنطن على وشك الدخول رسميًا إلى ساحة المواجهة إلى جانب "إسرائيل"، ويعكس هذا التفسير، بحسب مراقبين، رغبة إسرائيلية ملحّة باستدراج تدخل أميركي مباشر لتعويض فشلها في احتواء الضربات الإيرانية المتواصلة.
ربما حتى الآن لم تستوعب كل من أميركا و"إسرائيل" الردود الإيرانية والهجمات الصاروخية المتتالية، وفي الوقت نفسه، وأمام ارتفاع أسعار النفط فوراً في الأسواق العالمية، يبدو بل بدا أن الكيان الصهيوني يسعى لتضخيم الموقف بهدف تحويله إلى نقطة ارتكاز استراتيجية في المعركة المستمرة.
أما داخل الولايات المتحدة الأميركية، فإن المواقف وردود الأفعال تبدو أكثر حذراً، فقد ذكرت "سي إن أن" نقلاً عن مسؤولين في البيت الابيض، أن تصريح ترامب يعكس "إلحاحه" على دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات، وليس إعلان حرب، وذلك بعدما رأت إيران انه لم يعد لهذه المفاوضات من معنى بعد العدوان الإسرائيلي عليها، كما ذكرت "نيويورك تايمز" أن ترامب شجع نائبه ومبعوثه إلى الشرق الأوسط على عرض لقاءات مباشرة مع الإيرانيين.
وبين تضارب الرسائل وتحليلها بعد هذا التصريح، حذّرت شخصيات نافذة في الكونغرس الأميركي من مخاطر التصعيد الفردي، فالنائب الجمهوري توماس ماسي أعلن تقديم مشروع قانون مشترك لمنع انخراط واشنطن في الحرب دون تفويض من الكونغرس، مؤكّداً أن الدستور لا يمنح الرؤساء إعلان الحروب من طرف واحد.
وفي موقف مشابه، قدم السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز تشريعاً عاجلاً "لمنع ترامب من جر البلاد إلى حرب غير شرعية مع إيران"، محذراً من حرب مدمرة جديدة في "الشرق الأوسط".
بدوره، أوضح البنتاغون وموظفون في البيت الأبيض أن القوات الأميركية "تحافظ على وضع دفاعي"، نافين مشاركة الطائرات الأميركية في أي هجوم على إيران في الوقت الذي أكّدت وسائل إعلام اسرائيلية ان طائرات أميركية شاركت في الهجوم على ايران، وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إن "موقفنا لم يتغير: لا نريد لإيران امتلاك سلاح نووي، لكن الاتفاق لا يزال مطروحاً على الطاولة"، مضيفاً أن "إظهار القوة هدفه فرض السلام، لا خوض الحرب".
تسارعت التطورات على وقع مشاركة ترامب في قمة قادة مجموعة السبع في كندا، حيث فاجأ الحضور بإعلانه مغادرة القمة مبكراً بعد العشاء مع القادة، في خطوة جاءت بعد تصاعد الجدل في واشنطن حول تصريحاته بشأن "إخلاء طهران"، ما شكّلت إرباكاً داخل الإدارة الاميركية وأثارت مخاوف من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في المنطقة، وهي التي لم تحقق اي انتصار في حروبها على المنطقة، سواء في العراق أو سوريا او افغانستان أو غيرها.
وفي خضم التصعيد، دخلت أوروبا إلى المشهد. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن أن ترامب أبلغ قادة مجموعة السبع بوجود محادثات لوقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وإيران، مؤكداً استعداد الشركاء الأوروبيين للانخراط في مفاوضات نووية جادة. كما اعتبر أن مغادرة ترامب لقمة مجموعة السبع كانت خطوة إيجابية في سياق السعي لخفض التوتر.
رغم كل هذه التصريحات، التي تتراوح بين المدّ والجزر، بين تصريح وآخر، ممن يرفض الحرب أو المشاركة فيها أو محاولات إسرائيلية لجرّ الولايات المتحدة الى داخل هذه الحرب، يبقى المشهد ضبابياً، لكن المؤكد أن تصريح ترامب فجّر معركة جديدة داخل واشنطن وبين حلفائها، بين من يسعى لتثبيت التهدئة وفتح باب التفاوض، وبين من يريد الاستثمار في الحرب قبل فوات الأوان.
/انتهى/