المدينة المنتظرة لن تكون مجرد مجمع تجاري، بل منظومة متكاملة تجمع بين الإنتاج والتدريب والتداول، وتعد بفتح آفاق جديدة أمام الحرفيين والشباب الباحثين عن فرص عمل، فيما يؤكد الخبراء أن المشروع قد يغير خريطة
الاقتصاد العراقي ويدعم سيادته المالية بعيدا عن الاعتماد المفرط على النفط.
وفي تموز/ يوليو الماضي، وافق المجلس الوزاري للاقتصاد على مشروع تقدمت به وزارة التجارة لإنشاء "مدينة الذهب العالمية" في العاصمة بغداد، في خطوة وُصفت بأنها جزء من مساعي الحكومة لتوطين صناعة الذهب والمجوهرات داخل البلاد، وتعزيز القدرة الإنتاجية المحلية، بما يتماشى مع أهداف البرنامج الحكومي لدعم الصناعة وإيجاد فرص عمل جديدة.
ووفقا لبيان وزارة التجارة، فإن المدينة المزمع إنشاؤها ستضم مجمعات صناعية متخصصة ومراكز تدريب حديثة لصياغة الذهب وفق أحدث المعايير العالمية، إضافة إلى أسواق وبورصة للمعادن الثمينة، ما يجعلها منظومة اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحويل بغداد إلى مركز إقليمي لصناعة الذهب وتجارته.
ويقول مصطفى ياسين نزال، عضو مجلس الإدارة في اتحاد الصناعات العراقي: "يهدف المشروع إلى
تعزيز صناعة الذهب محليا، وتوفير فرص عمل جديدة للشباب وأصحاب المهن الحرفية في هذا القطاع، إضافة إلى رفع كفاءة ومستوى الحرفيين عبر مراكز تدريب حديثة ستقام داخل المدينة".
ويضيف في حديث لـ "سبوتنيك": "المدينة الصناعية ستتضمن وحدات إنتاج متكاملة لصياغة وصناعة الذهب، إضافة إلى مركز تدريب متخصص وبورصة خاصة لتداول الذهب والمجوهرات في بغداد، لتكون الأولى من نوعها في العراق".
وبحسب نزال، فإن "التنسيق جارٍ حاليا مع الهيئة العامة للاستثمار لتخصيص قطعة أرض لإنشاء
المدينة الصناعية في بغداد"، مؤكدا أن "المشروع سيسهم بشكل كبير في السيطرة على عمليات الاستيراد غير المنظم للذهب والمصوغات، وتشجيع المنتج الوطني في هذا المجال".
وتابع نزال: "ستتولى وزارة التجارة الإشراف على تنفيذ المشروع بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار لاستكمال تخصيص الأراضي ومنح الإجازات الاستثمارية، فضلا عن إدارة الهيكلة التنفيذية والتنظيمية بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة".
تنويع مصادر الدخل خطوة لتعزيز السيادة الاقتصادية
بينما يقول عمر الناصر، مستشار في اتحاد الصناعات العراقي، في حديث لـ "سبوتنيك": "العراق اليوم، بحاجة ماسة إلى تنويع مصادر الدخل وتحقيق نمو اقتصادي متوازن"، معتبرا أن "هذا التوجه يمثل جزءا مهما من مفهوم تمكين السيادة الوطنية وتقوية الاقتصاد الوطني".
ويضيف الناصر: "الاقتصاد العراقي لا يمكن أن يبقى معتمدا على النفط كمصدر رئيسي للدخل، إذ من الضروري أن تتجه الدولة نحو تنمية القطاعات غير النفطية مثل الصناعة، والزراعة، والتعدين، وخصوصا قطاع الذهب الذي يعد ركيزة مهمة في دعم الناتج المحلي وخلق فرص عمل جديدة"، مبينا أن "العراق بحاجة إلى إعادة إنتاج ذاته اقتصاديا من خلال تفعيل المشاريع الإنتاجية وتشجيع الاستثمار الصناعي والتجاري".
وبحسب الناصر، فإن "التحالفات الاقتصادية تعد أكثر استدامة وأقصر عمرا من التحالفات السياسية، لذلك فإن تعزيز الشراكات الاقتصادية يمثل ضمانة حقيقية لاستقرار البلاد"، مضيفا: "الاهتمام بصناعة الذهب
وتطوير قدرات الإنتاج والتصدير في هذا المجال سيعزز تصنيف العراق الصناعي ويرفع من حجم صادراته، ما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة موارد الدولة".
ويشير إلى أن "وجود قيادة فاعلة في اتحاد الصناعات برئاسة السيد عادل عكاب، خلال السنتين الماضيتين، أسهم بتحقيق إنجازات ملموسة مقارنة بالمراحل السابقة، لا سيما قبل عام 2020، وهو ما انعكس إيجابا على التعاون بين القطاع الصناعي ومؤسسات الدولة".
ويختم الناصر بالتأكيد على أن "القطاع الصناعي يجب أن يكون جزءا أساسيا من خطة التنمية الاقتصادية الشاملة، بما يؤدي في النهاية إلى تقليل نسبة العجز المالي وزيادة موارد العراق وتحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد".
ويأتي هذا المشروع في وقتٍ يشهد فيه العراق نموا ملحوظا في احتياطاته من الذهب، إذ ارتفع
رصيد البنك المركزي من المعدن النفيس بنسبة 45.1% خلال الربع الأخير من عام 2024، لتقفز قيمته من نحو 9.31 مليارات دولار إلى أكثر من 13.5 مليار دولار، وفقاً للبيانات الرسمية.