ركز اللقاء على الخطوات العملية لتنفيذ خارطة الطريق الأممية، الهادفة إلى إجراء انتخابات وطنية وتوحيد المؤسسات الليبية، بما في ذلك استكمال تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وتعديل الإطار الدستوري والقانوني المنظم للعملية الانتخابية.
بالإضافة إلى مناقشة التحضيرات لإطلاق حوار وطني مهيكل يعنى بتهيئة بيئة سياسية وأمنية مواتية لإجراء الانتخابات.
قال المحلل السياسي والأكاديمي الليبي إلياس الباروني إن اجتماع بنغازي يُعد محطة سياسية مهمة ضمن المساعي الأممية الرامية إلى تسريع تنفيذ خارطة الطريق المؤدية إلى الانتخابات، مشيرًا إلى أن النقاش ركّز على آليات تهيئة المناخ الدستوري والسياسي والأمني اللازم لإجرائها.
وأوضح الباروني في حديثه لـ "
سبوتنيك"، أن الاجتماع تناول محاور رئيسية عدة، من أبرزها، إعادة بناء الثقة بين المؤسسات السياسية، ولا سيما مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والمفوضية العليا للانتخابات، ومناقشة الضمانات الأمنية لحماية العملية الانتخابية في جميع أنحاء البلاد، في ظل الانقسام الأمني والمؤسسي القائم.
بالإضافة إلى تفعيل المسار الدستوري والقانوني بما يضمن توافقًا حول القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات، وهي النقطة الأكثر حساسية في المسار السياسي، ومراجعة الترتيبات الفنية واللوجستية للمفوضية العليا للانتخابات بدعم مباشر من الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن الاجتماع مثّل تحولًا في منهج البعثة الأممية، من دور الوساطة البعيدة إلى الانخراط الميداني المباشر في الداخل الليبي، بهدف تقريب وجهات النظر وتسريع تحقيق التوافقات المتجمدة منذ فترة طويلة.
وفيما يتعلق بـ الحوار المهيكل الذي تعتزم البعثة الأممية إطلاقه، أوضح الباروني أنه يمثل نقلة نوعية في آليات التفاوض، إذ يقوم على، تحديد أولويات واضحة وجدول زمني محدد بدل الحوارات المفتوحة التي استُنزفت في الماضي، وإشراك أوسع طيف من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وزعامات اجتماعية ونساء وشباب، بما يعزز الملكية الجماعية للمسار السياسي ويحدّ من احتكاره من قبل النخب التقليدية، وتوفير بيئة آمنة للحوار تُسهم في تخفيف التوترات الأمنية وتوفير ضمانات حقيقية لالتزام الأطراف بنتائج الانتخابات.
وبيّن أن هذا الحوار يسهم في تحييد الخلافات الأيديولوجية والمناطقية، ويؤسس لقاعدة تفاهمات مشتركة حول قواعد اللعبة السياسية، وهي شرط أساسي لنجاح أي عملية انتخابية.
وأضاف الباروني أن المحاور الأربعة التي تم التركيز عليها في اجتماع بنغازي وهي الأمن، الحوكمة، الاقتصاد، والمصالحة وحقوق الإنسان – تمثل أعمدة مشروع الاستقرار الوطني.
وأوضح أن الأمن هو القاعدة الصلبة لأي عملية سياسية، وأن غيابه يعني غياب الثقة والشرعية، ما يجعل دمج التشكيلات المسلحة وإصلاح القطاع الأمني مطلبًا محوريًا.
أما الحوكمة، فهي تهدف إلى مكافحة الفساد وترسيخ الشفافية والمساءلة، مما يعزز ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها.
وفي الجانب الاقتصادي، اعتبر أن معالجة الانقسام المالي وتوحيد السياسة النقدية يمثلان شرطًا أساسيًا لبناء اقتصاد مستقر يوزّع الثروة بعدالة ويخفف من حدة النزاعات.
وفيما يتعلق بمحور المصالحة وحقوق الإنسان، أكد أن البعد الإنساني والاجتماعي في إعادة بناء الدولة لا يمكن تجاهله، لأن الاستقرار الحقيقي لا يتحقق دون عدالة انتقالية وإنصاف للضحايا وإعادة الثقة بين المكونات.
وشدّد الباروني على أن تكامل هذه المحاور الأربعة يؤدي إلى صياغة رؤية وطنية جامعة تسهم في إخراج ليبيا من دوامة الصراع إلى مسار الدولة المدنية المستقرة.
وقال إن توسيع دائرة التشاور بين البعثة الأممية ومجلس النواب – ومع باقي الأجسام السياسية لاحقًا – يعد خطوة ضرورية لتجاوز حالة الجمود والتنازع على الشرعية، مشيرًا إلى أن كلما اتسع نطاق التشاور والانفتاح السياسي، زادت فرص الوصول إلى تسوية توافقية حول المناصب السيادية وتوزيع الصلاحيات، وتقلصت حالة الاحتكار المؤسسي، وتسارع مسار توحيد المؤسسات المالية والعسكرية والإدارية، ما يخلق أرضية صلبة لإجراء انتخابات ذات مصداقية.
وأكد الباروني أن نجاح هذا المسار مرهون بمدى التزام الأطراف المحلية بمرجعية الحوار الأممي وعدم استخدامه كورقة ضغط أو مساومة سياسية، معتبرًا أن اجتماع بنغازي والحوار المهيكل المرتقب يشكلان إعادة إطلاق للمسار الأممي بوجه ليبي أكثر وضوحًا، يحاول معالجة جذور الأزمة لا مظاهرها فقط.
وقال إن النجاح الحقيقي سيظل مرهونًا باستعداد القوى المحلية لتقديم تنازلات متبادلة والقبول بقواعد اللعبة الديمقراطية، لأن الانتخابات ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لإنهاء الانقسام وتوحيد مؤسسات الدولة.
قال المحلل السياسي الليبي معتصم الشاعري إن أبرز النقاط التي تمحور حولها اجتماع بنغازي لتنفيذ خارطة الطريق الأممية تمثلت في طموح البعثة للانتقال إلى الحوار المهيكل، والتركيز على الجوانب الأمنية والحوكمة والاقتصاد وحقوق الإنسان، بما يحقق رؤية شاملة تمهد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في البلاد.
وأضاف الشاعري في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن اجتماع بنغازي يؤكد سعي البعثة الأممية لتقريب وجهات النظر بين المؤيدين لخارطة الطريق من مجلس النواب، ونظرائهم في المجلس الأعلى للدولة، مشيرًا إلى أن البعثة لا ترغب في الخروج عن إطار المجلسين، وتواصل عقد مشاورات متواصلة بين الطرفين للوصول إلى حل ليبي-ليبي.
وأوضح أن البعثة تركز حاليًا على الملفات الاقتصادية والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان والحوكمة، معتبرًا أنها تمثل الأساس لأي تسوية سياسية قادمة. وأشار إلى أن البعثة الأممية أعلنت أنه في حال عدم توصل المجلسين إلى اتفاق خلال مدة الشهرين المحددة، فإنها ستتجه إلى إطلاق الحوار المهيكل الذي تسعى من خلاله إلى تجاوز حالة الجمود السياسي الراهنة.
وتابع الشاعري، قائلًا: "نطمح ونتمنى أن يساهم الحوار المهيكل المزمع إطلاقه قريبًا في خلق بيئة مناسبة لإجراء الانتخابات، لكن من غير المؤكد أن يقبل المجلسان بما ستقرره البعثة، وقد يشهد الأمر رفضًا من بعض الأعضاء، وهو ما قد يفتح الباب أمام إمكانية فرض عقوبات دولية من مجلس الأمن والدول المعنية بالملف الليبي".
وأكد أن الأمن والحوكمة والاقتصاد وحقوق الإنسان تمثل منظومة مترابطة لا يمكن فصل أحد عناصرها عن الآخر، مشددًا على أنه "لا يمكن تحقيق المصالحة بدون أمن، فعندما يسود الأمن والانضباط في الشارع الليبي، تستعيد الدولة سيطرتها وتسير بخطى ثابتة نحو الاستقرار، بعيدًا عن هيمنة التشكيلات المسلحة التي لا تساهم في بناء الدولة".
وأشار الشاعري إلى أن الدولة تبنى بسواعد أبنائها عبر جيش واحد موحد ومؤسسات أمنية وشرطية قوية، معتبرًا أن هذا هو الأساس الحقيقي لاستعادة الاستقرار وبناء مؤسسات دولة مدنية حديثة.
وأكد إن البعثة الأممية بدأت خطوات عملية لتسريع العملية السياسية بالتعاون مع مجلسي النواب والدولة، بهدف توحيد المؤسسات، موضحًا أن أولى هذه الخطوات تمثلت في تغيير رئيس وأعضاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، والتطرق إلى بعض المناصب السيادية الأخرى، مؤكدًا أن هذه التحركات تمثل بداية فعلية في مسار التغيير والمتابعة الجادة لتطبيق بنود خارطة الطريق.