بينها تونسيون وأجانب... عصابات منظمة تنهب تاريخ تونس

سبوتنيك عربي

بينها تونسيون وأجانب... عصابات منظمة تنهب تاريخ تونس

  • منذ 3 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:
ويؤكد باحثون في التاريخ والتراث، أن تونس التي تمتد جذورها الحضارية لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، من قرطاج إلى الحقبة الإسلامية، تحتضن واحدة من أغنى المجموعات الأثرية الرومانية في العالم، إضافة إلى مواقع فريدة مدرجة على قائمة التراث العالمي لـ "يونسكو"، مثل قرطاج، ودقة، والجم، وكركوان، غير أن هذا الإرث الثمين بات عرضة لخطر الاندثار، ليس فقط بسبب النهب والتهريب، بل أيضا بفعل الإهمال، وضعف الحماية، وقلة الموارد المخصصة لصيانة المواقع والمتاحف.
ولم يعد يمر شهر تقريبا دون أن تكشف السلطات الأمنية عن قضايا جديدة تتعلق بسرقة أو محاولة تهريب قطع أثرية نادرة، من بينها مخطوطات تاريخية، وتماثيل، وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية، تعود إلى حقب تاريخية مختلفة وحضارات متعاقبة شهدتها البلاد.
كنوز حضارات أخرى
لماذا لا يعيد المتحف البريطاني المقتنيات المنهوبة في الحقبة الاستعمارية؟ - سبوتنيك عربي, 1920, 12.08.2025
وسائط متعددة
كنوز حضارات أخرى.. لماذا لا يعيد المتحف البريطاني المقتنيات المنهوبة في الحقبة الاستعمارية؟
وكشف مركز التحكم في الأغراض المصادرة في المعهد الوطني للتراث، أن عدد القطع الأثرية المسترجعة منذ عام 2011 تجاوز 25 ألف قطعة، في ما تشير تقديرات غير رسمية، إلى أن جزءا مهما من الآثار المنهوبة يجد طريقه إلى المزادات العلنية أو المجموعات الخاصة في الخارج، حيث تباع بأسعار خيالية تعكس قيمتها النادرة، لكنها تحرم التونسيين من جزء أصيل من ذاكرتهم التاريخية.
ويُرجع مختصون تفاقم هذه الظاهرة إلى عوامل عدة، من بينها هشاشة المنظومة القانونية، وضعف التنسيق الدولي في استرجاع القطع المسروقة، فضلا عن تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع البعض إلى الانخراط في أنشطة التهريب بحثا عن الربح السريع.
وفي ظل هذا الواقع، تتصاعد الأسئلة حول مدى قدرة الدولة على حماية موروثها الثقافي، وما إذا كان النزيف الحالي، إن لم يتم وقفه، قد يؤدي إلى فقدان تونس لأجزاء لا تُعوّض من تاريخها وهويتها الحضارية.
6 يونيو 2016. المجمع التاريخي والمعماري لمدينة تدمر القديمة في محافظة حمص السورية - سبوتنيك عربي, 1920, 31.07.2025
السرقات التاريخية للتراث العالمي... كنوز مصر وسوريا والعراق في مهب الريح
عصابات منظمة وراء عمليات السرقة
قال مدير مخبر التراث التونسي، الحبيب الكزدغلي، لـوكالة "سبوتنيك": "ظاهرة سرقة الآثار في تونس شهدت تفاقما ملحوظا بعد ثورة عام 2011، إذ تمكنت السلطات الأمنية منذ ذلك الحين من ضبط كميات كبيرة من القطع الأثرية التي كانت في طريقها للتهريب، ووُضعت لاحقا في المتحف الوطني بباردو".
وأوضح الكزدغلي، أن "هذه العمليات تقف وراءها عصابات إجرامية منظمة تعتقد أن الآثار الموجودة في تونس قابلة للبيع ويمكن التصرف فيها بحرية، بعيدا عن أعين السلطات".
وأضاف: "هذه الشبكات تضم تونسيين وأجانب، وتشكل مجموعات دولية تنشط في سرقة مختلف أنواع القطع النادرة، من عملات نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية، إلى أعمدة رخامية ضخمة تمتد أصولها إلى فترات وحقب تاريخية متعددة"، وأردف: "رغم اعتقاد البعض أن جهاز الدولة التونسية قد فقد قدرته على مواجهة هذه الظاهرة، إلا أن هناك يقظة أمنية مستمرة، حيث تعلن وزارة الداخلية بين الحين والآخر عن بيانات تكشف حجم السرقات وضبط المتورطين".
التنقيب عن الاثار يستنزف تاريخ سوريا  - سبوتنيك عربي, 1920, 03.07.2025
بين مزادات إلكترونية و"تنقيب داشر"... حمى الثراء السريع تستنزف كنوز سوريا
وأشار المتحدث إلى أن "القطع التي تسترجعها السلطات تخضع أولا لمعاينة خبراء المتحف الوطني بباردو للتأكد من أصالتها وقيمتها التاريخية، قبل أن تحفظ داخل المتاحف التابعة لوزارة الشؤون الثقافية، بما يضمن حمايتها من الضياع أو التلف أو إعادة السرقة".
وكشف الكزدغلي أن "الفسيفساء الرومانية تعد من بين الأهداف المفضلة لهذه العصابات، نظرا لقيمتها الفنية العالية، باعتبارها فنا زخرفيا ازدهر في العهد الروماني"، مؤكدا أن "الحضارة الرومانية جزء لا يتجزأ من الحضارة التونسية، وكل قطعة أثرية تمثل شاهدا على فترة معينة من التاريخ، وهو ما تحاول هذه العصابات محوه وبيعه إلى جهات أجنبية".
كما أشار إلى "دراسة صادرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تحليل نطاق الجريمة المنظمة وتبعاتها على الأمن والحوكمة والتنمية في أفريقيا، والتي كشفت أن الموروث الثقافي التونسي يهرّب إلى مزادات الفنون والآثار الأوروبية أو إلى هواة جمع التحف، كما حدث مع المصحف الأزرق، إحدى أقدم نسخ القرآن الكريم المكتوبة بالخط الذهبي على رق أزرق، حيث عرضت منه صفحتان للبيع في مزاد علني ببريطانيا عام 2017".
المتحف المصري الكبير - سبوتنيك عربي, 1920, 06.08.2025
مصر تحبط واحدة من أكبر عمليات تهريب الآثار
تهديد للذاكرة الوطنية
رأى الباحث في التاريخ في محافظة بنزرت شمالي تونس، فتحي الدريدي، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن "ظاهرة سرقة الآثار تمثل تهديدا مباشرا للذاكرة الوطنية ومحاولة لطمس الهوية والتاريخ التونسي"، داعيا "السلطات إلى ضرورة التعمق في دراسة أسباب انتشارها ووضع حلول ناجعة للحد منها".
وأوضح الدريدي أن "الكثير من المواقع الأثرية في محافظة بنزرت، تعرضت خلال السنوات الأخيرة إلى عمليات نبش وحفر غير قانونية، من بينها الموقع الأثري في أوتيك، المدينة الفينيقية الواقعة في شمال تونس، والتي تُعد من أقدم مدن شمال إفريقيا، إذ تأسست حوالي سنة 1101 قبل الميلاد، أي قبل قرطاج بما يقارب 285 عاما".
وشدد الباحث على أن "الحفر العشوائي لا يؤدي فقط إلى سرقة القطع الأثرية، بل يتسبب أيضا في فقدان الموقع قيمته التاريخية والعلمية، نتيجة تشويه المعالم وطمس الطبقات الأثرية التي تمثل مفتاحا لفهم تاريخ المنطقة".
قطع آثار مصرية مستردة - سبوتنيك عربي, 1920, 10.02.2021
تونس... شبكات دولية مختصة تقوم ببيع الآثار علنا بموقع "فيسبوك"
وأضاف: "هناك اليوم مواقع أثرية عدة في مناطق ريفية أو معزولة تستهدف بعمليات الحفر والسرقة، خاصة في ظل غياب الحراسة الليلية وضعف آليات المراقبة، وهو ما يجعلها عرضة للاستهداف من قبل عصابات البحث عن الكنوز والآثار".
واستشهد الدريدي، بـالإطار القانوني الذي يجرم هذه الأفعال، مشيرا إلى أن الفقرة السادسة من الفصل 83 من المرسوم عدد 43 لعام 2011، المتعلق بتنقيح وإتمام مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية، تنص على أن "يعاقب بالسجن لمدة عشر سنوات وبخطية قدرها مائة ألف دينار تونسي (32,247 دولارا أميركيا) كل من يهرّب المنقولات المنصوص عليها بالفصل 5 من هذه المجلة، أو غيرها من المنقولات التي تكتسي قيمة وطنية تاريخية أو علمية أو جمالية أو فنية أو تقليدية في بلدها الأصلي".
كما أشار إلى أن "خطر هذه الظاهرة تجسد مؤخرا في عملية نفذتها قوات الحرس الوطني بمحافظة بنزرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حيث تمكنت من الإطاحة بشبكة متخصصة في نبش القبور بحثا عن الكنوز والآثار، وأسفرت العملية عن إيقاف ثمانية أشخاص ثبت تورطهم في أنشطة الشبكة، وحجز عدد من القطع الأثرية التي كانت بحوزتهم، وهو ما اعتبره الدريدي دليلا على حجم التهديد الذي يواجه التراث التونسي وضرورة مضاعفة الجهود لحمايته".
حفر غير قانوني لموقع أثري يرجع للدولة الحميرية بجبل الوز - سبوتنيك عربي, 1920, 05.05.2025
الباحثون عن الكنوز المطمورة أمام المساءلة القانونية في دولة عربية
"إهمال المراقبة يهدد بخسارة إرث تونس التاريخي"
من جانبه، أكد المؤرخ التونسي محمد ذويب في حديث لـ"سبوتنيك"، أن "معظم المعالم الأثرية في تونس تعاني من الإهمال وغياب الحماية الفعالة، كما تفتقر إلى أنظمة المراقبة الإلكترونية الحديثة، وهو ما يجعلها أهدافا سهلة لعصابات البحث والتنقيب عن الآثار والكنوز، التي تلجأ لتهريبها إما عبر الحدود البرية أو من خلال الموانئ والمطارات بطرق غير شرعية".
وشدد ذويب على أن "الدولة التونسية مطالبة اليوم بأن تدرك قيمة معالمها التاريخية وتثمن مواقعها الأثرية، عبر ربطها بالجامعات التونسية المتخصصة في تدريس الآثار والتراث، وإحداث ديناميكية اقتصادية وثقافية في هذه المؤسسات الأكاديمية، بما يضمن إشراك الطلبة والباحثين في عمليات الجرد، والصيانة، والترويج لهذا الإرث الحضاري".
قطع آثار مصرية مستردة - سبوتنيك عربي, 1920, 10.08.2025
مجتمع
استعادة 13 قطعة أثرية مصرية من بريطانيا وألمانيا.. صور
وتساءل المؤرخ عن "سبب تركيز المعهد الوطني للتراث على تشديد الحراسة في المعالم المصنفة ضمن لائحة التراث العالمي فقط، مقابل إهمال مواقع أخرى لا تقل قيمة تاريخية، مما يجعلها أكثر عرضة للسرقة أو التخريب".
وأضاف: "هناك الكثير من المناطق في تونس تزخر بمعالم أثرية نادرة، ويجب على الدولة القيام بمعاينتها وتجميع أهم قطعها ونقلها إن لزم الأمر إلى المتاحف، بهدف حمايتها وتأمينها من عمليات النهب".
وحذر ذويب من أن "التقاعس عن مواجهة المخاطر التي تهدد تاريخ الحضارة التونسية في الوقت الراهن، قد يؤدي إلى فقدان الدولة السيطرة على هذه الشبكات الإجرامية، خاصة وأن بعضها يتلقى دعما أجنبيا يساهم في تمويل أنشطتها واستمرارها".


عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>