ألقت الأحداث الأخيرة بظلالها الثقيلة على القطاع السياحي، مع إغلاق مطارات عدة في المنطقة، وارتفاع نسبة القلق من
تمدد رقعة المواجهة، الأمر الذي ترك أثرًا مباشرًا على الحجوزات والنشاطات السياحية.
ومع ذلك، فإن عجلة المبادرات المحلية لا تزال تدور، إذ تستمر إقامة المهرجانات والنشاطات الفنية والثقافية في مختلف المناطق اللبنانية، في محاولة جادة لجذب الزوار وإنعاش الاقتصاد المحلي.
الرهان على الداخل... والمواجهة بالأمل
في هذا الإطار، قالت وزيرة السياحة لورا لحود، في حديث لـ"سبوتنيك": "من المؤكد أن اندلاع أي حرب سيؤثر سلبًا على السياحة وعلى الاقتصاد بشكل عام، لكننا نعرف جيدًا
ما خلفته الحروب من آثار على لبنان، وندرك تمامًا أن أي صراع جديد لن يعود بالنفع على بلدنا".
وأضافت: "نحن لم نعد نرغب بالحروب، ونحن ندرك تمامًا أن الحروب لا تخدم أحدًا، ونحن نريد سياحة، نريد فنًّا، نريد اقتصادًا مزدهرًا، ونطمح أن تستفيد كل المناطق اللبنانية من هذا الحراك السياحي والاقتصادي. لذلك نواصل العمل على تنشيط الحركة السياحية، عبر تنظيم المهرجانات والنشاطات في مختلف المناطق".
وأشارت إلى أن "الحركة اليوم قوية جدًا. كل منطقة تعمل على إبراز مميزاتها الخاصة: يوم مهرجان للكرز، ويوم آخر معرض للحرف، أو فعالية ثقافية جديدة. كل هذه المبادرات مهمة جدًا. الناس بدأت تعود لاكتشاف الطبيعة اللبنانية وجمالها؛ من المحميات الطبيعية، إلى الغابات، إلى رياضة المشي في الجبال، إلى المطبخ اللبناني الغني".
وختمت: "نحن نهتم بجميع أنواع السياحة: البيئية، والثقافية، والطبية، والدينية، وغيرها. هناك الكثير من المجالات التي يجب الاستثمار فيها، ويجب أن يتمكن لبنان بأكمله من الاستفادة من السياحة ومن الحركة الاقتصادية المرتبطة بها".
نسبة الإشغال بلغت 80%... ثم انقلب المشهد
أما رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق، بيار الأشقر، فقد رسم مشهدًا مزدوجًا يعكس هشاشة الواقع ومرونته في آن معًا، إذ أشار لـ"سبوتنيك"، إلى أن "الموسم السياحي انطلق بشكل جيد جدًا، وشهد إقبالًا كبيرًا، لا سيما بعد سماح دولة الإمارات لرعاياها بزيارة لبنان، إلى جانب الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية، وأسهمت في إعادة لبنان إلى الحضن العربي. هذا الانفتاح دفع بالدول العربية إلى تشجيع مواطنيها على زيارة لبنان، كما أعطى اللبنانيين المقيمين في الخارج بارقة أمل بانفراج، فبدأوا بالحجز للقدوم إلى البلاد".
وتابع: "بدأت الحركة الفعلية في فترة عيد الأضحى، حيث سجلت مدينة بيروت نسبة إشغال فندقي تجاوزت الثمانين في المئة. أما الزوار العرب، خصوصًا الذين يزورون لبنان للمرة الأولى، فقد عاشوا تجربة غير اعتيادية، في ليلة من ليالي العيد، وقع قصف إسرائيلي استهدف ثمانية مباني في الضاحية الجنوبية للعاصمة، على مقربة من المطاعم والمقاهي والملاهي التي كان هؤلاء الزوار قد حجزوا فيها، واضطروا رغم ذلك إلى المضي بسهرتهم في تلك الأماكن. لقد رأوا مشهدًا غير مألوف: على بعد كيلومتر ونصف فقط، كان القصف جاريًا، بينما الحياة مستمرة وكأن شيئًا لم يكن".
وأردف شارحا: "هذا الواقع جعلهم يقولون: "إذا كان هذا هو لبنان، فنحن سنأتي دائمًا، حتى لو كان هناك قصف، سنأتي ونعيش هذه الحياة التي اعتاد عليها اللبنانيون. أما اللبنانيون في الخارج، الذين يعتبروا ذخيرة الوطن منذ نحو ثماني سنوات، هم خزان السياحة الداخلية، وساهموا بشكل أساسي في نمو القطاع، وحجوزاتهم كانت كبيرة".
وأكد الأشقر أنه "مع بداية التصعيد بين إيران وإسرائيل، أُلغيت حوالي تسعين في المئة من الحجوزات القريبة الأجل، فعند النظر إلى الفترة الممتدة لأسبوعين من الآن، نرى أن جميع الحجوزات قد أُلغيت. أما بالنسبة للفترة التي تلي منتصف تموز، فلا تزال الصورة غير واضحة، إذ لا نعلم ما إذا كانت الحجوزات التي كانت قائمة ستحترم أم أنها ستلغى أيضًا، فالوضع السياحي بات مرتبطًا بشكل مباشر بالتطورات الإقليمية والمحلية".
وختم الأشقر: "لطالما كان لبنان أسرع بلد في العالم في استعادة عافيته والعودة إلى الخريطة السياحية، شرط توفر الأمن والسلام الذي ننشده. نحن نمارس السياحة منذ عقود، رغم الحروب وعدم الاستقرار. وخلال فترات الاستقرار القليلة التي مرت بنا، كنا ملوك الفرص الضائعة، لكننا أيضًا بارعون في إدارة الأزمات. لذلك، نحن دائمًا على جهوزية لاستكمال الموسم متى توفرت الظروف، ودائمًا مستعدون للتعامل مع احتمال تعثره في حال اندلاع الحروب".
من جهتها، رأت ناتالي خواجة، صاحبة مبادرة "Lebanon seasons"، أنه " هناك دائمًا شعور بالخوف، ونحن في لبنان اعتدنا على هذا الشعور، فهو يرافقنا منذ سنوات طويلة، لكن إيماننا أقوى ببلدنا، وبأن السياحة هي ركيزة أساسية في تحريك العجلة الاقتصادية، هذا الإيمان أقوى بكثير من أي خوف، ومن هنا أشعر بالاطمئنان.
وأضافت: "أقولها بثقة: كل اللبنانيين يحبون بلدهم بما يكفي ليضعوا أيديهم في أيدي بعض، ويعملوا سويًا لإنجاح كل مهرجان، وكل نشاط، وكل فعالية تنظَّم، خاصةً في المناطق البعيدة والريفية".
وتابعت خواجة: "السياحة الداخلية والسياحة الريفية هما عنصران في غاية الأهمية. وكل واحد من موقعه، قادر أن يساهم فيهما. نحن اليوم، من بيروت، ومن وزارة السياحة، نحمل رسالة لبنان وبيروت إلى العالم، ونحاول دائمًا أن نظهر في كل ما نقوم به كم نحن متجذرون في هذا الوطن، وكم نحن متعلّقون به، وكم نرغب في تسليط الضوء على كل مناطقه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، من البقاع إلى الجبل".
وأوضحت أن "كل منطقة في لبنان جميلة، وأجمل ما فيها هو ناسها. هذا التنوع البشري والثقافي هو ثروتنا الحقيقية. فعندما أزور منطقة نائية، لا أكتشف فقط جمال الطبيعة أو المعالم، بل أتعرف على الناس، على بيئتهم، معتقداتهم، وعاداتهم. حتى في أبسط الأمور، مثل تحضير الطعام، وفي البقاع بطريقة أخرى، ولكل منطقة لهجتها، التي حين نسمعها كأننا نستمع إلى موسيقى محلية مفعمة بالدفء".
وختمت خواجة: "هذا الغنى الداخلي يجب أن يحتفى به. وأنا أدعو الجميع لتشجيع السياحة الداخلية، خاصةً في ظل صعوبات السفر لأسباب أمنية أو اقتصادية أو عملية. فالسياحة الداخلية لا تكتفي بإرضائنا نفسيًا، بل تدعم اقتصادنا المحلي وتعيد الحياة إلى مناطق كانت منسية".
في المحصلة، يقف القطاع السياحي اللبناني مجددًا أمام مفترق طرق. بين الرغبة في النهوض وبين التجاذبات الإقليمية، يحاول اللبنانيون، كل من موقعه، أن يزرع فسحة حياة في قلب الأزمات. ومع أن الرياح الإقليمية لا تجري كما تشتهي سفنهم دائمًا، فإن الأمل وحده لا يزال يدفع بالعجلة ولو على الطريق الوعر.