رحلة رأس السنة الهجرية في العصور الإسلامية

وكالة الانباء السورية سانا
  • منذ 4 ساعة
  • العراق في العالم
حجم الخط:
دمشق-سانا
لم يكن للعرب قبل الإسلام تقويم خاص بهم يميزون من خلاله الأعوام، كما حال الأمم من حولهم، ولكنهم ساروا على منهج تسمية كل سنة بأشهر حادث وقع فيها، فكانوا يقولون عام “سيل العرم”، وهي السنة التي تعرض فيها سد مأرب للانهيار، وعام “الفيل”، وهي السنة التي شن فيها أبرهة الحبشي هجومه على مكة المكرمة.
وبعد بزوغ فجر الإسلام صار تقويم السنوات مرتبطاً بحوادث مرتبطة بالدعوة، كما ذكر الجبرتي في كتابه “تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار”، فأصبحوا يطلقون على الأعوام أسماء مثل عام “الحزن” وعام “الخندق”، وسنة “الإذن بالرحيل” أو ما سيعرف لاحقاً “بالسنة الهجرية الأولى”، عندما أذن النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة المنورة.
ورغم أن بعض المراجع ذكرت بأن التقويم الهجري بدأ في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، إلا أن مؤرخاً رصيناً يعد أبرز المؤرخين العرب في العصور الإسلامية، وهو الحافظ ابن الأثير يؤكد في مقدمة مؤلفه “الكامل في التاريخ” أن الصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب هو أمر بوضع التاريخ.

عمر بن الخطاب واضع التقويم الهجري

عندما أخذت الدولة الإسلامية شكلها بمفهومها الحضاري، وتعقدت وامتدت مؤسساتها على مدى ملايين الكيلومترات، صار لزاماً عليها أن تضع لنفسها تقويماً سنوياً يميزها ويجسد هويتها، وبعد أن صارت المراسلات والكتب تنهمر إلى الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب، أصبح من الضروري حفظ هذه الكتب والرسائل وتوثيقها، عبر إضافة تاريخ لهذه المراسلات.
ويورد ابن الأثير أن أبا موسى الأشعري والي البصرة أرسل إلى الخليفة ابن الخطاب رسالة يقول له فيها: “يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ”، فجمع عمر الصحابة للمشورة، فعرضوا عليه أن يؤرخ السنوات حسب التقويم الفارسي أو الروماني، ولكنه رفض ذلك في إشارة إلى اعتزاز الدولة الإسلامية الناشئة بهويتها، ورفضها أن تكون تابعة لأحد.
واقترح كبار الصحابة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب باعتماد التاريخ من هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام، فوافق عمر ليبدأ التقويم الهجري، وكان ذلك جمادى الآخرة من سنة 17 هجرية، والموافق لشهر تموز سنة 638 ميلادية.
لقد اعتمد العرب المسلمون في التقويم الهجري نفس أشهرهم القديمة التي تبدأ بمحرم وتنتهي مع شهر ذي الحجة، ليكون بداية السنة الهجرية مع نهاية أداء فريضة الحج، أي مع انصراف الناس من حجهم وعودتهم لبلدانهم.

رأس السنة الهجرية زمن الأمويين والعباسيين

واستمر الأخذ بالتقويم الهجري طوال العصور اللاحقة فأرخ به الأمويون ثم العباسيون، من دون الاهتمام لنهاية العام أو بدايته، ولم يأخذ شكلاً احتفالياً إلا مع الخليفة العباسي المتوكل على الله، الذي أمر بتغيير كسوة الكعبة غرة كل محرم، كما ذكر ابن الجوزي في كتابه “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم”، وأصبح الخلفاء من بعده يحيون ليلة رأس السنة بقراءة القرآن الكريم والدعاء.

تحول مطلع العام الهجري إلى مناسبة احتفالية

الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية أخذ شكلاً غير مسبوق زمن الفاطميين في مصر، حيث يخبرنا المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه “السلوك لمعرفة دول الملوك”، أنه كان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أوّل المحرّم في كل عام لأنها أوّل ليالي السنة وابتداء أوقاتها، وكان من احتفالاتهم في تلك الليلة أن يعمل بمطبخ القصر وجبات كثيرة من الخراف المطهوة وجامات الحلويات، والخبز بالسكر، والأرز بلبن لتوزع على أصحاب الرتب وباقي الفئات.
ويحكي لنا المقريزي أن الخليفة الفاطمي في يوم رأس السنة الهجرية يتخذ موكبه بأبهى حلله، ويفرّق فيه الأموال على رعيته.
وأخذ الاحتفال برأس السنة الهجرية زمن المماليك طابعاً رسمياً، فكان السلاطين كما ذكر المقريزي يعقدون مجالس دعاء وقراءة قرآن في قلعة القاهرة ليلة أول محرم، يحضرها القضاة والعلماء.
وعادت مواكب الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية إلى الظهور زمن العثمانيين، فتحوّلت هذه المناسبة إلى مراسم سلطانية خاصة في اسطنبول، حسب الرحالة التركي أوليا جلبي في كتابه “سياحت نامة”، والذي يتحدث عن هذا الموكب الذي كان يضم كبار رجال الدولة، وتُطلق فيه المدافع وتُتلى الأذكار.
وما زال الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية بين من يجد فيه إحياء لذكرى استقبال الصحابة من مهاجرين وأنصار للنبي عليه الصلاة والسلام بعد هجرته إلى المدينة، وبين من يقول إنه لم يكن موجوداً في عهود الإسلام الأولى، ولكن من المؤكد أن هذه المناسبة أسست لظهور الحضارة التي نشرت الحضارة والعلم والأخلاق في ربوع العالم.

تابعوا أخبار سانا على التلغرام و الواتساب



عرض مصدر الخبر



تطبيق موسوعة الرافدين




>