وشهدت أجواء الشرق الأوسط واحدة من أكثر الفترات اضطرابا خلال السنوات الأخيرة، حيث
سارعت الكثير من الدول إلى إغلاق مجالها الجوي تحسبا لأي تطورات خطرة في وقتها.
فقد أعلنت دول مثل لبنان والأردن تعليق الرحلات الجوية مؤقتا، في إجراء وقائي استباقي، بينما بقي العراق في قلب المشهد الجوي، حيث استمر استخدام مجاله الجوي بكثافة، ما وضعه فعليا في صدارة الدول التي لعبت دورا محوريا في حركة الملاحة الإقليمية خلال تلك الفترة المتوترة.
ومع تراجع حدة المواجهة وعودة الهدوء النسبي، أعادت الدول فتح أجوائها تباعا، لتبدأ مرحلة التقييم والبحث عن دروس هذه
الأزمة الجوية الطارئة في العراق الذي خسر ملايين الدولارات جراء الإغلاق الذي استمر لأيام.
وفي أيام الحرب، قال مسؤولون عراقيون إن "بلدهم يخسر يوميا ملايين الدولارات نتيجة الإغلاق الكامل لمجاله الجوي، حيث كان العراق يسجل عبور نحو 700 طائرة يوميا قبل الحظر الجوي، تتنوع بين رحلات ركاب وشحن".
ووفقا لإحصائيات تداولتها وسائل إعلام عراقية، فإن رسوم عبور الطائرة الواحدة تبلغ نحو 450 دولارا، وترتفع إلى 700 دولار في حالة طائرات الشحن.
نقل أكثر من 24 ألف مسافر خلال الأزمة
يقول ميثم الصافي، مدير إعلام وزارة النقل العراقية لوكالة "سبوتنيك": "فتحت الأجواء العراقية بشكل كامل أمام حركة الطيران بعد استقرار الأوضاع الأمنية، وبدء سريان
وقف إطلاق النار في المنطقة، وذلك عقب فترة إغلاق جزئي فرضتها تداعيات التصعيد الإقليمي الأخير".
ويشير الصافي، إلى أن "القرار الرسمي بإعادة فتح الأجواء صدر الثلاثاء الماضي، من قبل سلطة الطيران المدني والشركة العامة لخدمات الملاحة الجوية، بناء على تقديرات فنية دقيقة قرأتها الملاحة الجوية العراقية"، مبينا أنه "بالرغم من الأزمة، حافظت الوزارة على مستوى من التشغيل الجزئي خصوصا في المنطقة الجنوبية، حيث تم تفعيل مطار البصرة الدولي، ونفذت الخطوط الجوية العراقية خلال تسعة أيام فقط أكثر من 90 رحلة جوية، أسفرت عن نقل ما يزيد عن 24,000 مسافر، أغلبيتهم من العراقيين العالقين في الخارج، إضافة إلى أجانب كانوا داخل العراق".
وبحسب الصافي، "عملت الوزارة طوال فترة الأزمة على تسيير رحلات إنسانية وخدمية عبر مطار البصرة، ما ساهم في تقليص حجم الأضرار"، مؤكدا أن "المطارات في بغداد والنجف وكركوك وإقليم كردستان قد عادت للعمل بطاقتها الكاملة".
ويبيّن الصافي، أن "الخطوط الجوية العراقية بدأت بالفعل تنفيذ رحلات داخلية وخارجية، منها أربع رحلات داخلية ورحلة دولية بين عمان وبغداد، بالإضافة إلى 10–12 رحلة يومية من مطار البصرة، مع استعدادات لاستئناف الوجهات السابقة خلال الأسبوع المقبل"، مشيرا إلى أن "الأزمة أثرت على الإيرادات المالية للشركات التابعة لوزارة النقل، والتي تعتمد في تمويلها على نظام التمويل الذاتي، إلا أن استمرارية العمل، ولو جزئياً، ساعدت في تقليل حدة الخسائر وضمان استدامة النشاط الجوي والخدمي".
وخلال شهر أيار/مايو الماضي، سجلت الشركة العامة لخدمات الملاحة الجوية العراقية نحو 19,841 رحلة عبور "ترانزيت" في الأجواء العراقية، وهو رقم وصفته الشركة بأنه "متميز"، مؤكدة بذلك تنامي
أهمية العراق كممر جوي إقليمي محوري، بحسب ما أفاد به مدير عام الشركة عباس صبار البيضاني عبر بيان رسمي.
شركات السياحة العراقية تتكبّد خسائر كبيرة
إلى ذلك، يؤكد محمد سدخان، وهو مدير إحدى شركات السياحة والسفر العراقية، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن "قرار
إغلاق الأجواء العراقية خلال فترة التصعيد الإقليمي الأخير تسبب بخسائر مباشرة وكبيرة لشركات السياحة، وأثر بشكل كبير على المسافرين".
ويضيف سدخان: "الفنادق المحجوزة مسبقا خارج العراق، في دول مثل تركيا، لبنان، ومصر، تعرضت لخسائر بسبب عدم وصول المسافرين العراقيين في مواعيدهم"، مشيرا إلى أن "نظام حجز الفنادق المعتمد يشترط دفع رسوم الإقامة قبل الوصول بيوم إلى ثلاثة أيام على الأقل، ما يعني أن كل رحلة أُلغيت أو تأخرت ألحقت أضرارا مالية مباشرة لا يمكن استردادها".
وتابع: "ما يقارب 25% من خسائرنا، جاءت من حجوزات الفنادق فقط، لأن المسافرين لم يتمكنوا من الوصول في الوقت المحدد" ، مشيرا إلى أن "الكثير من العراقيين واجهوا صعوبات بالغة في العودة إلى البلاد خصوصا من يعانون من أوضاع مادية محدودة، حيث أن البعض اضطر للعودة بوسائل برية مكلفة أو عبر مطارات في دول مجاورة، ما حمّل الشركات السياحية أعباءً إضافية".
وأكد سدخان، أن "الشركات اضطرت إلى تحمّل تكاليف إعادة بعض العراقيين من الخارج على نفقتها الخاصة، نظرا لأنهم كانوا دفعوا ثمن رحلاتهم مقدماً ولم يتمكنوا من العودة في الوقت المحدد"، مبينا أن "العراقي الذي يسافر للسياحة غالبا ما يكون قد خطط لمصاريفه بدقة، وبالتالي أي تأخير أو تغيير في الرحلة يؤدي إلى كلفة إضافية غير محسوبة، كتمديد الإقامة أو الحجز مرة أخرى، وهذا ينعكس سلبا على حالته المادية".
واختتم سدخان: "الأزمة الأخيرة بينت هشاشة القطاع السياحي في العراق أمام الأزمات الإقليمية"، داعيا الجهات الحكومية إلى "دراسة إمكانية تعويض الشركات المتضررة، أو وضع آلية استجابة طارئة لتقليل الخسائر مستقبلا".
لكن مع تصاعد التوترات وبدء إغلاق عدد من الدول لمجالها الجوي منتصف حزيران/يونيو الجاري، أكد وزير النقل العراقية الأسبق، وعضو لجنة النقل النيابية حالياً عامر عبد الجبار، أن "
الخسائر المباشرة الناتجة عن توقف حركة العبور في الأجواء العراقية تتجاوز 250 ألف دولار يوميا"، مشيرا إلى أن "هذه الأرقام لا تشمل الخسائر غير المباشرة التي تتحملها شركات الطيران والمطارات ومقدمو خدمات الطيران الأرضية".
أظهر تحليل صادر عن موقع "فلايت رادار 24" أن إغلاق المجالين الجويين لكل من
العراق وإيران خلال التوترات الأخيرة، تسبب في تغيير واسع لحركة الملاحة الجوية في المنطقة.
ووفقاً للتحليل، فقد ارتفع عدد الرحلات الجوية فوق الأجواء السعودية من نحو 700 إلى 1400 رحلة يوميا، فيما سجلت الأجواء الأفغانية زيادة حادة بنسبة بلغت 500%. ويبيّن التقرير، الذي اطلعت عليه "سبوتنيك"، أن أكثر شركات الطيران تضررا من هذا الإغلاق كانت الخطوط الجوية القطرية و"فلاي دبي"، حيث اضطرت الأخيرة إلى تغيير مسارات عدد من رحلاتها باتجاه الشرق، مرورا عبر باكستان وأفغانستان، ما أسفر عن زيادة زمن بعض الرحلات الجوية بما يقارب ساعتين.
ويقول علي بشير، المختص في شؤون الطيران العراقي: "الخسائر التي لحقت بالعراق نتيجة إغلاق الأجواء خلال أزمة التصعيد الإيراني –الإسرائيلي، لم تكن فقط مادية، بل كانت معنوية واجتماعية أيضا، وأثرت بشكل مباشر على المواطنين".
ويضيف بشير في حديث لـ"سبوتنيك": "نحو 99% من الشعب العراقي استغل عطلة عيد الأضحى للسفر خارج البلاد، ولكن ما لم يتوقعه أحد هو أن الرحلة التي بدأت بفرح تحولت إلى معاناة طويلة في طريق العودة"، لافتا إلى أن "هناك مسافرين اضطروا للعودة من إسطنبول إلى العراق برا في رحلات استغرقت أكثر من 36 ساعة بالحافلات، بعد أن أُغلقت الأجواء فجأة وتوقفت الرحلات الجوية".
ويوضح أن "شركات السياحة تكبدت خسائر ضخمة خلال تلك الفترة، ليس فقط نتيجة توقف الرحلات أو إلغاء الحجوزات، بل أيضا بسبب فقدان ثقة المسافرين، الذين عاشوا تجربة صعبة، وواجهوا تأخيرا، ومصاريف إضافية، وأحيانا الغموض في مصير رحلاتهم"، مضيفا: "
الخطوط الجوية العراقية قدمت بعض التسهيلات من خلال إعادة تشغيل بعض الرحلات خصوصاً في جنوب العراق، لكن الضرر كان قد وقع فقد اضطر الكثير من المواطنين للبقاء أياماً إضافية في الخارج، ما شكل عبئاً كبيراً، خصوصا على العائلات ذات الدخل المحدود".
ويتابع بشير: "موقع العراق الجغرافي جعله من أكثر الدول تأثرا، إذ تمر فوق أجوائه يوميا ما بين 700 إلى 800 طائرة دولية، ما يعني أن العراق خسر خلال فترة الإغلاق عشرات الملايين من الدولارات كانت تدرها
رسوم العبور الجوي وحدها"، مضيفا: "قلة الأرباح في هذه الحالة تحسب كخسارة مباشرة، خصوصا أن شركات الطيران والملاحة الجوية العراقية تعتمد على هذه العوائد بشكل كبير".
وأكد أن "هذه الأزمة كانت درسا قاسيا، لكنها كشفت أيضا عن الحاجة إلى بناء خطط طوارئ مرنة لحماية المسافر العراقي أولا، ولتخفيف الأثر المالي على الدولة وشركات القطاع السياحي".
وتشكّل المطارات العراقية مصدرا حيويا للإيرادات غير النفطية، من خلال رسوم عبور الأجواء، والخدمات الأرضية، والشحن الجوي، وعلى الرغم من النمو الملحوظ الذي شهدته حركة الطيران خلال الأشهر الماضية، لا تزال هذه
المطارات تواجه تحديات كبيرة تتعلق بعمليات التحديث والتطوير، فضلا عن الحاجة إلى توسيع شبكة الربط الجوي.