في زمن الغليان العالمي والتحولات التاريخية وحيث وجب حمل السلاح، لتوفر فرص انتزاع الحق القومي، وتصحيح مسارات التاريخ، وإعادة نظم، وهيكلة الجغرافية والنُظم، وبلا مقدمات ولا ضرورات ملموسة أعلن أوجلان قائد حزب العمال الكردي إلقاء السلاح وحل الحزب، ودعا إلى الأخوَّة الكردية التركية.
بعد ما يزيد عن أربعين سنة شكَّل حزب العمال رافعة تاريخية لاستدعاء القضية القومية الكردية، كلفت الكرد والأتراك أثمان باهظه.
خطوة جريئة يؤمل أن تغير في أحوال الكرد والترك، وتعزز مسارات استقرار تركيا، وغالباً تصب في صالح إردوغان، وعزمه على تجديد ولايته بتغيير الدستور، وتأمين خليفته، وتؤمن له نقاط في محاولته سحق المعارضة بعد اعتقال المنافس الأبرز إمام أوغلو.
السؤال ما الثمن الذي جناه أوجلان؟! هل حقق السلاح أهدافه المعلنة وانتفت أسبابه؟! هل حقق الكرد مكاسب تستوجب إلقاء السلاح؟!
في المعلن؛ كل الأجوبة سلبية. ربما تحت الطاولة هناك شيء ما، وهذا الشيء غير مؤكد تحقيقه، فقد سبق أن ناور ووعد إردوغان الأكراد، وانقلب على وعوده، ولم يحقق لهم شيئا إلا السجون والاغتيالات، وحرمانهم من الحقوق حتى المدنية. ويفعلها مع الترك من العلويين وجميع المعارضين له بلا هوادة.
في معاهدة سيفر١٩٢٠ أخرجت ولايات جنوب شرق الأناضول من السيطرة التركية بغالبيتها المطلقة الكردية، وألزمت تركيا بحماية الأقليات وتأمينها، ثم تخلى الأوروبيين عنها، ووقعوا معاهدة لوزان ١٩٢٣، التي رسمت حدود تركيا الحالية، وأطلقت يد الترك فيها.
فعلها الأوربيون مع الثورة العربية، ومع الشريف الحسين، ثم أعطى الفرنسيون أتاتورك لواء اسكندرون السوري عام 1٩٣٨.
تجاهل حق الأكراد، وتعرضهم للظلم، أطلق تمردات وثورات متواصلة، حتى ورثها حزب العمال، وشكَّل الصراع الكردي التركي أبرز حلقات تاريخ تركيا الحديثة.
فهل إعلان أوجلان ينهي القضية ويحقق موتها؟ أم تصح مقولة الأمة والوطن طوران تاريخيان، والحق القومي لا يقبل القسمة أو التسويات، وسيعود الكرد إذا لم ينالوا حقوقهم كتلة اجتماعية تثور وترفض وتنتفض، فيشكلون قوة تغير في تركيا التي نضجت ظروفها لتغيرات هيكلية وبنيوية وتفكيكها، تبدو حاجة للقوى العالمية الصاعدة والمتمكنة؟
قضيتان قوميتان شغلت العالم لقرن ونيَّف، وستستمران بالإشغال ما لم تتحقق وتكتمل شخصية العرب بدولتهم الوطنية وكذا الكرد.
القضية الكردية تتركز في تركيا وفي ولايات جنوب شرق الأناضول، فنسبة الكرد فيها تصل إلى ٩٧ بالمائة، وفي عموم تركيا لأكثر من ٢٠ %، فولايات جنوب شرق الأناضول على اتصال بكرد إيران والعراق، وقد نالوا ما يشبه الدولة المستقلة. أما في إيران وسورية، فالقضية الكردية لا تكتسب صفة القضية القومية بقدر ما هي قضية جاليات يجب احتوائها وتأمين وتحقيق خاصياتها.
إعلان أوجلان وحل حزب العمال لا شك خطوة جريئة نوعية مغيرة في الأحوال في تركيا ومسارتها وفي سورية وإلى حد ما في إيران، أما على كردستان العراق المقسمة بشبهة دولتين بين أحزابها فلا تأثير نوعي.
جرأة أوجلان بحل حزب العمال تعبير عن حاجة الأزمنة، فالحزب وسلاحه تحول من القضية الجوهرية التي تبرر السلاح والموت إلى سلاح وظيفي، لتأمين الحزب وبيروقراطيته، ولتأمين الاحتلال والنهب الأمريكي لسورية وتدميرها واحتلالها. وبسقوط النظام السوري مترافقاً مع قرار ترمب الانسحاب وتفكيك القواعد في سورية، يفقد حزب العمال وظيفته وغطائه، ولم يثبت أنه يقاتل وينجز انتصارات، بل انسحب في وجه القوات التركية والتنظيمات التي تأتمر بأمرها، عندما هاجمت مناطق سيطرته، ولم يبدي قتالاً صلباً في وجه هيئة تحرير الشام أداة تركيا لتتريك سورية، بل وقَّع معها اتفاقاً وقد جاء مندوبه إلى دمشق بطائرة عسكرية أمريكية.
خيراً فعل أوجلان، فزمن السلاح الوظيفي قد انتهى. ولا مكان للسلاح ولا جدوى منه، إلا إذا كان سلاح قضية وطنية وقومية ساعٍ لانتزاع الحق القومي.
وأهم الشواهد الجارية سلاح غزة والضفة المقاتل ببسالة وأسطورية نادرة، برغم الاختلال الفاضح بموازين القوى، وبرغم حرب الإبادة والتدمير منذ تسعة عشر شهر متصلة، وبقيادة وإدارة أمريكية انجلو سكسونية، ولم ترفع غزة راية بيضاء وتقاتل ببسالة أسطورية.
وسلاح اليمن يثبت أحقيته وجدواه، بل وضرورته وإلزاميته للشعوب التي تقاتل بشرف لتحقيق غايات وإنجاز قضايا مُحقَّة وواجبة.
يبقى الأمل والرجاء؛ أن تكون خطوة أوجلان بإنهاء السلاح الوظيفي وغير المجدي، الذي ابتعد كثيراً وزمناً طويلاً عن قضيته وانشغل عنها، في محلها وفي صالح الشعوب، لاسيما الكرد والترك.
ويستمر الرهان على السلاح والرجال والشعوب التي امتشقته ومازالت في الميدان، وفي قلب مهمتها للتحرير والتوحيد.
الشيء بالشيء يذكر.
هل هي مصادفة تقارب عمر حزب العمال الكردي مع حزب الله اللبناني، وفي ذات الزمن تُطرح مسألة السلاح على بساط البحث؟!
وماذا عن سلاح الحشد الشعبي في العراق ويجري التداول بمستقبله؟.